أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

احتواء الضغوط:

دوافع زيارة الرئيس الإيراني إلى شرق إفريقيا

16 يوليو، 2023


أجرى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في الفترة من 11 حتى 13 يوليو 2023، جولة إفريقية شملت ثلاث دول هي؛ كينيا وأوغندا وزيمبابوي، بدعوة من رؤساء الدول الثلاث ويليام روتو، ويويري موسيفيني، وإيمرسون منانغاغوا، وذلك على رأس وفد ضمّ النائب الأول للرئيس الإيراني، محمد مُخبر، ووزير الخارجية، حسين أمير عبداللهيان، ووزير الصحة، بهرام عين الله، ووزير الجهاد الزراعي، جواد ساداتي نجاد، وعدداً من كبار المسؤولين ورجال الأعمال الإيرانيين.

أبعاد الزيارة: 

تأتي هذه الزيارة باعتبارها الأولى لرئيس إيراني إلى إفريقيا، منذ 11 عاماً، وشملت عدداً من الأبعاد، يمكن إلقاء الضوء عليها على النحو التالي:

1- توقيع اتفاقيات اقتصادية وتجارية: أكدّ الرئيس الإيراني، قبيل بدء جولته الإفريقية، ضرورة تعزيز العلاقات الاقتصادية بين إيران والدول الإفريقية، والتي ما زالت عند مستوياتها الدنيا، إذ لا تتعدى حاجز المليار و200 مليون دولار. وأوضح رئيسي، خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه بنظيره الكيني، وليام روتو، في أولى محطات جولته الإفريقية، ضرورة السعي لمضاعفة نسبة التجارة بين طهران ونيروبي إلى 10 أضعافها كمرحلة أولى و20 و30 ضعفاً في المستقبل، وفي هذا الإطار تم توقيع 5 مذكرات تعاون بين الجانبين في مجالات الاتصالات والصحة وتربية المواشي والصيد البحري. 

هذا إلى جانب التوقيع على أربع وثائق للتعاون مع أوغندا، التي مثلت المحطة الثانية للرئيس الإيراني، وشملت تلك الوثائق الإعفاء من التأشيرات، والتعاون الزراعي، وإنشاء اللجنة المشتركة الدائمة، هذا فضلاً عن افتتاح الرئيس الإيراني مكتب الابتكار والتكنولوجيا بهدف التسويق للمنتجات الإيرانية المعرفية في مجالات الأدوية والمعدات الطبية واللقاحات وغيرها. كما شهدت زيارة الرئيس الإيراني، إلى زيمبابوي، التوقيع على 12 مذكرة تفاهم، تشمل مجالات الطاقة والزراعة والأدوية والاتصالات، بالإضافة إلى مشروعات تتعلق بالبحث والعلوم والتكنولوجيا. 

2- نقل الخبرات الإيرانية: تسعى طهران لنقل خبراتها في بعض المجالات إلى السوق الإفريقية، بهدف زيادة الحضور الاقتصادي فيها، إذ قدّم الرئيس الإيراني خططاً لنظيره الكيني، لإقامة منشأة في مدينة مومباسا الساحلية لتصنيع عربة إيرانية أطلق عليها اسم "وحيد القرن". هذا إلى جانب اتفاق رئيسي مع موسيفيني على دعم إيران لمشروع أوغندا في بناء مصفاة تكرير النفط بعد اكتشاف آبار جديدة للخام، وخط أنابيب بطول 1443 كيلومتراً.

وشهدت زيارة رئيسي إلى هراري كذلك التوقيع على مذكرة تفاهم بشأن تسليم الجانب الإيراني 200 جرار زراعي كمرحلة أولى، ويتبع ذلك نقل التقنية الإيرانية في إنتاج تلك الجرارات وتدشين خط الإنتاج في زيمبابوي. 

وبالتوازي مع ذلك، فقد قام رئيسي بتفقد مزرعة إيرانية في أوغندا، بالتزامن مع احتفال إيران بالبداية الرسمية لمشروع الزراعة خارج الحدود الإيرانية في أوغندا. 

3- تأكيد الحضور الثقافي الإيراني: التقى رئيسي، خلال زيارته إلى كمبالا، بجمع من مسلمي أوغندا، في أكبر مسجد في شرق إفريقيا. ويأتي هذا اللقاء في إطار محاولات طهران، نشر التشيع في شرق إفريقيا، على غرار سياستها الرامية إلى دعم الأقليات الشيعية في غرب إفريقيا. وربما تهدف طهران لاتخاذ كمبالا قاعدة لها في هذا المسعى، خاصة مع وجود طائفة الخوجة الشيعية في أوغندا. 

ويقدر عدد المسلمين في أوغندا بحوالي 12.5%، أغلبهم ينتمون إلى المذهب السني، في حين أن أقلية منهم تدين بالمذهب الشيعي. كما أبدى الرئيس رئيسي دعمه للرئيس الأوغندي بشأن إقراره قانوناً مناهضاً للمثلية الجنسية، منتقداً بشدة الغرب، الذي وصفه بأنه يعمل على زعزعة ثوابت المجتمعات، وثقافات الأمم. 

4- التعاون في الطائرات المسيرة المدنية: شهدت زيارة الرئيس الإيراني إلى نيروبي، إزاحة الستار عن طائرة مسيرة إيرانية تسمى "بليكان 2"، مُخصصة للأغراض الزراعية، حيث تتميز بامتلاكها برنامجاً ذكياً للكشف عن مسار التحليق، وتطبيقات مزدوجة لرسم الخرائط ومعالجة الصور ورش المحاصيل واكتشاف الآفات الزراعية. 

وربما يُعزز ذلك اتجاه إيران، نحو تصدير الطائرات المسيرة ذات الاستخدامات العسكرية، إلى الدول الإفريقية، ولاسيما في ظل ما أشارت إليه بعض التقارير من تقدم بعض تلك الدول بطلب الحصول على طائرات مسيرة من إيران، مثل مالي، وحصول بعضها الآخر فعلياً عليها مثل إثيوبيا. 

أهداف الزيارة: 

في ضوء المعطيات السابقة، فإن طهران سعت من خلال الزيارة إلى تحقيق عدد من الأهداف يتمثل أبرزها في التالي: 

1- إيجاد شركاء جُدد: تأتي تلك الزيارة في إطار سعي إيران إلى تقوية علاقاتها وإيجاد حلفاء جُدد لها في القارة الإفريقية، وذلك في ظل ما تتعرض له من ضغوط من قبل واشنطن والأطراف الأوروبية، على خلفية تصاعد الملفات الخلافية معهم، خاصة ما يتعلق منها باستمرار تصعيد إيران في برنامجيها النووي والصاروخي، ومواصلة إمدادها روسيا بالطائرات المسيرة من طراز "شاهد 136" في الحرب مع أوكرانيا. 

وتتشارك أوغندا وزيمبابوي، مع إيران في الخضوع لعقوبات غربية. وأكد رئيسي خلال زيارته كمبالا أن مناهضة ما وصفه بـ"قوى الاستكبار العالمي" في إشارة إلى الغرب، هو هدف إيران وأوغندا على السواء. كما تم استقبال رئيسي في هراري بفرقة تردد أناشيد منتقدة للغرب.  

وسبق تلك الجولة للرئيس الإيراني، جولة أخرى قام بها إلى ثلاث دول في أمريكا اللاتينية هي: فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا، في الفترة من 12 إلى 16 يونيو 2023، وهي الدول التي وصفتها طهران بـ"الدول الصديقة"، وتشاطرها مناهضة ما تصفه بـ"القوى الإمبريالية"، ولاسيما الولايات المتحدة. هذا إلى جانب زيارة أخرى قام بها رئيسي إلى إندونيسيا، في 23 مايو 2023. وقد تم التوقيع على اتفاق بين الجانبين، يقضي بزيادة التبادل التجاري بينهما. وتؤشر تلك المحاولات من جانب إيران، على رغبتها في تقليل أثر الحصار الاقتصادي والسياسي المفروض عليها من جانب الغرب. 

2- تهميش المفاوضات النووية: تهدف طهران من توجهها للقارة الإفريقية إلى إيصال رسائل لواشنطن والأطراف الأوروبية في الاتفاق النووي معها بأنها لا تعول كثيراً على التوصل إلى اتفاق معهم حول برنامجها النووي، على الرغم من المباحثات التي جرت بين إيران والأطراف الغربية خلال الفترة الأخيرة، سواءً في نيويورك، أو في عدد من العواصم الخليجية، الأمر الذي يعزز موقفها في تلك المباحثات، ويخفف من الضغوط التي تفرضها عليها تلك الأطراف، لتقديم تنازلات خلال المفاوضات، على أساس أن إيران هي من تسعى إلى التوصل لاتفاق بهدف رفع العقوبات عنها. 

وعلى الرغم مما سبق، فإنه ما تزال عقبات تطوير التجارة بين إيران وتلك الدول قائمة. ويأتي على رأسها تخوفها من الدخول في شراكات مع الجانب الإيراني، حتى لا تتعرض لعقوبات من جانب الولايات المتحدة، فضلاً عن استمرار العقبات الخاصة بالتحويلات النقدية والمالية، نظراً لاستمرار رفض طهران القبول بشروط مجموعة العمل الدولية المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (فاتف)، وهو ما يحرمها من استخدام النظام المصرفي الدولي، فضلاً عن هشاشة اقتصادات الدول الإفريقية بجانب تراجع البنية التحتية الصناعية لإيران، الأمر الذي قد يحرمها من الاستفادة من المواد الخام في تلك الدول، وهو ما يقلص من حجم الاستفادة الفعلية من التعاون بين إيران والدول الإفريقية، ومن ثم يمنح وجاهة لوجهة نظر بعض الدوائر الإيرانية التي تقول إن التوصل لاتفاق مع الغرب، هو بداية الإصلاح الحقيقي لأزمات الاقتصاد الإيراني المأزوم. 

3- تعزيز الانفتاح الإيراني على المنطقة: تصب جولة رئيسي الإفريقية في اتجاه تعزيز إيران علاقاتها بدول المنطقة، والذي بدأته باستئناف علاقاتها مع السعودية والإمارات، وتسعى لاستكماله مع باقي دول المنطقة، إذ شهدت تلك المساعي، خلال الفترة الأخيرة، الاتفاق على عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والجزائر، وذلك عقب زيارة وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، إلى طهران، في 8 يوليو 2023، ولقائه نظيره الإيراني وإبراهيم رئيسي. هذا إلى جانب إبداء عبداللهيان، في أواخر يونيو 2023، رغبة بلاده في استئناف العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وكذلك لقاءه مع نظيره السوداني، علي الصادق علي، على هامش اجتماع وزراء خارجية دول عدم الانحياز في العاصمة الأذرية باكو، في 6 يوليو 2023، وبحث عودة العلاقات المقطوعة بين الجانبين منذ سبع سنوات. 

وفي التقدير، يمكن القول إن هناك اهتماماً مكثّفاً للحكومة الإيرانية الحالية بقيادة رئيسي بتعزيز الحضور الإيراني في القارة الإفريقية، وتجلى ذلك في الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني، في 27 أغسطس 2022، إلى مالي وتنزانيا وزنجبار، بل إن جولة رئيسي الأخيرة قد تزامنت مع لقاء رئيس وزراء مدغشقر كريستيان انتساي، مع السفير الإيراني حسن علي بخشي، وتأكيد ضرورة تطوير العلاقات بين الجانبين من خلال تشكيل لجنة مشتركة. ويلاحظ أن تهويل طهران لأهمية تلك العلاقات باعتبارها بديلاً عن توقيع اتفاق مع الغرب حول برنامجها النووي هو مجرد مبالغات، إذ إن إيران لن تستطيع تعزيز علاقاتها بالدول الإفريقية بسبب العقوبات المفروضة عليها.